الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 12 سبتمبر 2016

الطعن 1864 لسنة 35 ق جلسة 7 / 2 / 1966 مكتب فني 17 ج 1 ق 17 ص 94

جلسة 7 من فبراير سنة 1966

برياسة السيد المستشار/ توفيق أحمد الخشن نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: حسين السركي، ومحمد صبري، وبطرس زغلول، ونصر الدين عزام.

-------------

(17)
الطعن رقم 1864 لسنة 35 القضائية

(أ، ب، جـ، د) قتل عمد. سبق إصرار.
(أ) إثبات الحكم مقارفة الطاعن لجريمة القتل العمد مع سبق الإصرار. مساءلته عنها سواء ارتكابها وحده أو مع غيره. لا يعيب الحكم نسبته إلى الطاعن إحداث إصابة الصدر خلافاً لما جاء بأمر الإحالة. ما دام الحكم لم يتناول التهمة التي رفعت بها الدعوى بالتعديل، وما دام أن إصابتي العنق والظهر - اللتين نسب إلى الطاعن إحداثهما بأمر الإحالة - قد ساهمتا في إحداث الوفاة، ومتى كان الطاعن لم يسأل في النتيجة إلا عن جريمة القتل العمد.
(ب) مساءلة الجاني عن جريمة القتل التي يرتكبها مع غيره متى توافر سبق الإصرار وإن قل نصيبه في الأفعال المادية المكونة لها. ثبوت أن الجاني قام بنصيب أوفى من هذه الأفعال. لا يغير من أساس المسئولية.
(جـ) سبق الإصرار. ماهيته:
(د) قصد القتل. ماهيته:
(هـ) إثبات. "اعتراف".
الاعتراف في المواد الجنائية. خضوعه لتقدير القاضي. له الأخذ باعتراف المتهم في محضر التحقيق ولو عدل عنه أمامه. متى اطمأن إلى صحته ومطابقته للحقيقة والواقع.
(و) إثبات. "خبرة". محكمة الموضوع.
تقدير آراء الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من اعتراضات. أمر موكول إلى محكمة الموضوع.
(ز) جريمة. حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
آلة الاعتداء ليست من الأركان الجوهرية في الجريمة.

---------------
1 - متى كان الحكم قد أثبت مقارفة الطاعن لجريمة القتل العمد مع سبق الإصرار فقد وجبت مساءلته عنها سواء ارتكبها وحده أو مع غيره ويكون ما انتهى إليه الحكم من مساءلته وحده عن النتيجة صحيحاً في القانون. ولا يعيبه أن نسب إلى الطاعن إحداث إصابة الصدر خلافاً لما جاء بأمر الإحالة ما دام الحكم لم يتناول التهمة التي رفعت بها الدعوى بالتعديل وهي تهمة القتل العمد مع سبق الإصرار وما دام أن إصابتي العنق والظهر - اللتين نسب إلى الطاعن بأمر الإحالة إحداثهما قد ساهمتا في إحداث الوفاة، ومتى كان الطاعن لم يسأل في النتيجة إلا عن جريمة القتل العمد - بغض النظر عن عدد الإصابات - وهي الجريمة التي كانت معروضة على بساط البحث.
2 - الأصل أن الجاني يسأل عن جريمة القتل التي يرتكبها مع غيره متى توافر سبق الإصرار - وإن قل نصيبه في الأفعال المادية المكونة لها. ومن ثم فإنه لا يغير من أساس المسئولية في حكم القانون أن يثبت أن الجاني قد قام بنصيب أوفى من هذه الأفعال.
3 - سبق الإصرار حالة ذهنية بنفس الجاني قد لا يكون له في الخارج أثر محسوس بدل عليه مباشرة وإنما هو يستفاد من وقائع وظروف خارجية يستخلص منها القاضي توافره - ما دام موجب هذه الوقائع والظروف لا يتنافر عقلاً مع هذا الاستنتاج.
4 - قصد القتل أمر خفي لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتتم عما يضمره في نفسه - واستخلاص هذه النية من عناصر الدعوى موكول إلى قاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية.
5 - الاعتراف في المواد الجنائية يخضع لتقدير محكمة الموضوع شأنه في هذا شأن أدلة الإثبات الأخرى التي تطرح أمامها، فللمحكمة أن تأخذ باعتراف المتهم في محضر التحقيق ولو عدل عنه أمامها متى اطمأنت إلى صحته ومطابقته للحقيقة والواقع.
6 - من المقرر أن الأمر في تقدير آراء الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من اعتراضات مرجعه إلى محكمة الموضوع إذ هو يتعلق بسلطتها في تقدير الدليل. فلا يقبل من الطاعن أن يجادلها في عناصر تقديرها أو أن ينعي عليها أخذها بالتقرير الطبي الذي اطمأنت إليه، ما دام أنه من جانبه لم يثر مطعنا على التقرير أو يطلب إليها استدعاء الطبيب الشرعي لمناقشته أو الاستعانة بخبير غيره.
7 - آلة الاعتداء ليست من الأركان الجوهرية في الجريمة.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه في يوم 5/ 4/ 1963 بدائرة قسم مصر القديمة محافظة القاهرة: قتل عمداً ومع سبق الإصرار نعيمة حافظ حسن بأن استقر رأيه في روية على القضاء على حياتها بعد أن سمع بأمر حملها سفاحاً وطعنها بسكين عدة طعنات في رقبتها وظهرها فحدثت بها الإصابات الموصوفة بإفادة مشرحة النيابة والتي أودت بحياتها. وطلبت من مستشار الإحالة إحالته على محكمة الجنايات لمحاكمته طبقاً للمادتين 230 و231 من قانون العقوبات. فقرر بذلك. ومحكمة جنايات القاهرة قضت حضورياً في 25/ 10/ 1964 عملاً بمادتي الاتهام والمادة 17 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالأشغال الشاقة المؤبدة. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

حيث إن مبني الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمة القتل العمد مع سبق الإصرار قد شابه قصور في التسبيب وفساد في الاستدلال وخطأ في الإسناد وانطوى على إخلال بحق الدفاع. وفي بيان ذلك يقول الطاعن إنه دفع أمام محكمة الموضوع بأن السكين التي ضبطت تخالف تلك التي استعملت في الحادث واستند في ذلك إلى ما جاء في التقرير الطبي من أن جروح المجني عليها جميعها حادة الحوافي بما يشير إلى أنها حدثت من آلة حادة ذات حدين في حين أن السكين المضبوطة ذات حد واحد ويؤكد ذلك أن الطبيب الشرعي لم يشر في تقريره إلى قيامه بفحص هذه السكين أو يبين نوع الدماء العالقة بها وما إذا كانت من فصيلة دم المجني عليها وهل تحدث إصابتها من مثل تلك السكين واكتفى بإثبات أن إصابتها قطعية تحدث من جسم صلب حاد كنصل سكين، ومع أن هذا الدفاع جوهري فإن الحكم لم يعن بالرد عليه كما أنه لم يتحدث عما شاب تقرير الطبيب الشرعي من قصور إذ أغفل بيان موقف الجاني من المجني عليها من حيث البعد والمستوى والاتجاه خاصة وقد تزايدت إصابتها في مراحل التحقيق من ثلاث إصابات في محضر ضبط الواقعة إلى خمس في أوراق علاجها بالمستشفي إلى ثمان إصابات في تقرير الصفة التشريحية. ثم إن الوصف القانوني للجريمة المسندة للطاعن في أمر الإحالة قد اقتصر على اتهامه بإحداث إصابتي العنق والظهر في حين أن الثابت من تقرير الصفة التشريحية أن الوفاة نشأت عن إصابات العنق والظهر والصدر مجتمعة مما مؤداه أن الوفاة قد لا تحدث إذا استبعدت إحدى هذه الإصابات فكان لزاماً على المحكمة أن تتحدث عن رابطة السببية بين القدر المتيقن في حق الطاعن وبين الإصابات التي أدت إلى الوفاة. ومن ناحية أخرى فما كان يجوز للمحكمة أن تعدل وصف التهمة بإضافة عنصر جديد لها وهو إحداث إصابة الصدر دون أن تنبه الدفاع إلى هذا التعديل. ثم إن المحكمة عولت في قضائها بإدانة الطاعن على أقوال المجني عليها واعتراف الطاعن وعلى أقوال شهود الإثبات الثلاثة في حين أن أقوال المجني عليها قد تضاربت في مراحل التحقيق المختلفة وأن الطاعن ما قصد من اعترافه سوى أن يباعد بين شقيقيه وبين اتهامهما بمقارفة الجريمة ولو عنيت المحكمة بإجراء تحقيق عن موقف الجاني من المجني عليها أثناء الاعتداء لتبين لها كذب الصورة التي أوردها الطاعن في اعترافه لأنه وهو مصاب ببتر في كف يده اليسرى لا يتسنى له بحال أن يحدث هذا العدد الوفير من الجروح بالمجني عليها، أما شهود الإثبات الثلاثة فقد نسب الحكم - على خلاف الثابت بالأوراق - إلى أحدهم الشرطي عبد العزيز مهران أنه شاهد الطاعن وهو يطعن المجني عليها بالسكين مما يعيب الحكم بالخطأ في الإسناد أما أقوال الشاهدين الآخرين فقد جاءت في محضر جلسة المحاكمة صريحة في إنكار مشاهدتهما للطاعن يعتدي على المجني عليها، هذا فضلاً عما شاب الحكم من قصور في استظهار القصد الخاص لجريمة القتل العمد وفي التدليل على توافر ظرف سبق الإصرار في حق الطاعن مما يعيب الحكم بما يستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى في قوله " إن المتهم عاشور إسماعيل عفيفي - الطاعن - علم أن المجني عليها نعيمة حافظ حسن ابنة أخته حملت سفاحاً وبعد أن استوثق من ذلك أصر على قتلها وفي يوم 5/ 4/ 1963 علم أن المجني عليها وأمها وعمها في طريق الكورنيش فأخذ سكيناً وأسرع إليهم واستوقف المجني عليها وانهال عليها طعناً بالسكين ففر صاحباها وتركاه يفترسها حتى حضر الشرطي عبد العزيز مهران - ومنعه عنها وقبض عليه وتسلم منه السكين المستعملة في الجريمة ثم نقلت المجني عليها إلى المستشفي حيث توفيت متأثرة بإصابتها" واستند الحكم في إدانة الطاعن إلى أقوال المجني عليها واعتراف الطاعن وإلي أقوال الشرطي عبد العزيز مهران وفاطمة إسماعيل عفيفي وعفيفي علي عفيفي وإلي تقرير الصفة التشريحية، لما كان ذلك، وكان يبين من الاطلاع على محضر جلسة المحاكمة أن الدفاع عن الطاعن وإن أشار إلى أن السكين التي ضبطت تخالف تلك التي استعملت في مقارفة الجريمة لأن إصابات المجني عليها حادة الحوافي إلا أنه لم يبين سنده في هذا الرأي أو يطلب إلى المحكمة أن تجرى تحقيقاً معيناً في هذا الصدد كما أن مرافعته خلت من أي مطعن على تقرير الطبيب الشرعي. ولما كانت المحكمة قد أفصحت عن اطمئنانها إلى تقرير الصفة التشريحية، وأخذت مما أثبته من أن جروح المجني عليها جميعاً قطعية تحدث من جسم صلب حاد كنصل سكين - وهو ما يسلم به الطاعن في أسباب طعنه وما ينفي احتمال حدوث تلك الإصابات من سكين ذات حد واحد - وكان من المقرر أن الأمر في تقدير آراء الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من اعتراضات مرجعه إلى محكمة الموضوع إذ هو يتعلق بسلطتها في تقدير الدليل، فإنه لا يقبل من الطاعن أن يجادلها في عناصر تقديرها أو أن ينعى عليها أخذها بالتقرير الطبي الذي اطمأنت إليه، ما دام أنه من جانبه لم يثر مطعناً على التقرير أو يطلب إليها استدعاء الطبيب الشرعي لمناقشته أو الاستعانة بخبير غيره هذا فضلاً عن أن آلة الاعتداء ليست من الأركان الجوهرية في الجريمة فلا يجدي الطاعن المجادلة في هذا الخصوص. لما كان ذلك، وكان الحكم قد أثبت مقارفة الطاعن لجريمة القتل العمد مع سبق الإصرار فقد وجبت مساءلته عنها سواء ارتكبها وحده أو مع غيره ويكون ما انتهي إليه الحكم من مساءلته وحده عن النتيجة صحيحاً في القانون، ولا يعيبه أن نسب إلى الطاعن إحداث إصابة الصدر خلافاً لما جاء بأمر الإحالة ما دام الحكم لم يتناول التهمة التي رفعت بها الدعوى بالتعديل وهي تهمة القتل العمد مع سبق الإصرار وما دام أن إصابتي العنق والظهر - اللتين نسب إلى الطاعن إحداثهما بأمر الإحالة - قد ساهمتا في إحداث الوفاة، ذلك بأن لمحكمة الموضوع أن تستبين الصورة الصحيحة التي وقع بها الحادث أخذاً من كافة ظروف الدعوى وأدلتها واستناداً إلى المنطق والعقل، على أن الطاعن لم يسأل في النتيجة إلا عن جريمة القتل العمد - بغض النظر عن عدد الإصابات - وهى الجريمة التي كانت معروضة على بساط البحث. ولما كان الأصل وأن الجاني يسأل عن جريمة القتل التي يرتكبها مع غيره متى توافر سبق الإصرار - وإن قل نصيبه في الأفعال المادية المكونة لها - فإنه لا يغير من أساس المسئولية في حكم القانون أن يثبت أن الجاني قد قام بنصيب أوفى من هذه الأفعال وهو ما ثبت في حق الطاعن، ومن ثم فإن المحكمة لا تلتزم بلفت نظر الدفاع إلى مثل التعديل الذي تم في هذه الدعوى. أما القول بأن الحكم لم يبحث عن القدر المتيقن في حق الطاعن فمردود بأن المحكمة وقد ساءلت الطاعن عن جريمة القتل العمد مع سبق الإصرار وأثبتت في حقه أنه طعن المجني عليها بالسكين فأحدث جميع إصاباتها التي أودت بحياتها فقد دللت بذلك على توافر علاقة السببية بين الفعل الذي اقترفه وبين النتيجة وهي وفاة المجني عليها. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن وزن أقوال الشاهد وتقدير الظروف التي يؤدي فيها شهادته، والتعويل على قوله مهما وجه إليه من مطاعن مرجعه إلى محكمة الموضوع. ومتى أخذت بشهادة شاهد فإن ذلك يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها ولا يجوز المجادلة في ذلك أمام محكمة النقض، فإنه لا محل لما يثيره الطاعن بشأن اعتماد الحكم على أقوال المجني عليها ما دامت المحكمة قد اطمأنت إليها. لما كان ذلك، وكان الحكم قد حصل اعتراف الطاعن في قوله "اعترف المتهم في محاضر جمع الاستدلالات وفي التحقيق بأنه علم بأن المجني عليها حملت سفاحاً واستوثق من ذلك بعرضها على طبيبين ولأن أخواتها صغار وأباها طاعن في السن اعتزم قتلها وفي يوم الحادث علم بأن أمها وعمها في طريق الكورنيش فأخذ سكيناً ولحق بهم وسأل أخته وهي أم المجني عليها - عما انتهى إليه الأمر فذكرت له أنها وعمها صحبا المجني عليها إلى داية لتجهضها ولكن الداية رفضت وعندها استل السكين وأرقد المجني عليها على الأرض وانهال عليها طعناً وفر صاحباها وظل يطعنها حتى بطلت حركتها واعتقد أنه أجهز عليها فوقف بجانبها حتى حضر الشرطي وقبض عليه وبالجلسة عدل عن الاعتراف وزعم أن زوج شقيقتها هو الذي قتلها وهو الذي فسق بها فحملت منه وأنه لما علم بما حدث ذهب يستطلع الخبر فقبض عليه الشرطي". ولما كان الاعتراف في المواد الجنائية يخضع لتقدير محكمة الموضوع شأنه في هذا شأن أدلة الإثبات الأخرى التي تطرح أمامها فإن للمحكمة أن تأخذ باعتراف المتهم في محضر التحقيق ولو عدل عنه أمامها متى أطمأنت إلى صحته ومطابقته للحقيقة والواقع. وإذ ما كانت المحكمة قد أخذت باعتراف الطاعن في محضر ضبط الواقعة وعند استجوابه في محضر تحقيق النيابة واطمأنت إلى صدوره سليماً مما يشوبه، فإنه لا يقبل من الطاعن مصادرتها في عقيدتها أو مجادلتها في عناصر تقديرها بدعوى أنه قصد من اعترافه نفي التهمة عن أخويه. أما ما يثيره الطاعن في خصوص تعييبه استدلال الحكم بهذا الدليل والزعم بأن كف يده اليسرى يحول دون إحداثه لإصابات المجني عليها المتعددة فإنه جدل موضوعي لا يجوز إثارته أمام هذه المحكمة. لما كان ذلك، وكان يبين من الاطلاع على المفردات التي أمرت المحكمة بضمها تحقيقاً للطعن أن ما حصله الحكم من شهادة الشرطي عبد العزيز مهران من رؤيته للطاعن وهو يطعن المجني عليها بالسكين له أصله الصحيح من أقوال هذا الشاهد في محضر تحقيق النيابة، ومن ثم فقد انحسر عن الحكم قالة الخطأ في الإسناد أما القول بأن الشاهدين الآخرين قد عدلا عن أقوالها عند سؤالهما في محضر جلسة المحاكمة فإنه مردود بأن لمحكمة الموضوع في سبيل تكوين عقيدتها أن تأخذ بأقوال الشاهد في إحدى مراحل التحقيق متى اطمأنت إليها وأن تطرح أقواله في مرحلة أخرى بغير أن تلتزم ببيان علة ما ارتأته، وما دامت المحكمة قد أخذت بأقوال الشاهدين التي أدليا بها في محضر تحقيق النيابة، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد ينحل إلى جدل في تقدير الدليل مما تستقل به محكمة الموضوع بغير معقب عليها. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه بعد أن حصل اعتراف الطاعن والباعث له على اقتراف الجريمة استظهر القصد الخاص لجريمة القتل العمد في قوله "وحيث إن قصد القتل ثابت من اعتراف المتهم في التحقيقات بأنه أرقد المجني عليها على الأرض وانهال عليها طعناً، ومن طعنها في مواضع قاتلة هي العنق والصدر والظهر بطعنات بالغة الشدة كسرت عظام الفقرات العنقية ونفذت إلى تجويف الصدر وهتكت الرئة" ولما كان قصد القتل أمراً خفياً لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتتم عما يضمره في نفسه، فإن استخلاص هذه النية من عناصر الدعوى موكول إلى قاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية وإذ ما كان الحكم قد دلل على قيام هذه النية تدليلاً سائغاً واضحاً في إثبات توافرها لدى الطاعن، فإن ما يثيره في هذا الصدد يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان الحكم قد دلل على توافر ظرف سبق الإصرار في حق الطاعن في قوله "وحيث إن سبق الإصرار ثابت مما أثبت في التحقيقات ومن اعتراف المتهم بأنه لما علم بحملها صحبها إلى طبيبين واستوثق من صحة ما بلغه عن المجني عليها اعتزم قتلها وأصر على تنفيذ فعله ولما علم يوم الحادث بأنها في طريق الكورنيش مع أمها وعمها أخذ السكين ولحق بها وأوقعها على الأرض وانهال عليها بطعنها حتى اعتقد أنها فقدت الحياة" وما ساقه الحكم فيما تقدم سائغ ويتحقق به ظرف سبق الإصرار كما هو معرف به في القانون، ذلك بأن سبق الإصرار حالة ذهنية بنفس الجاني قد لا يكون له في الخارج أثر محسوس يدل عليه مباشرة، وإنما هو يستفاد من وقائع وظروف خارجية يستخلص منها القاضي توافره، ما دام موجب هذه الوقائع والظروف لا يتنافر عقلاً مع هذا الاستنتاج وهو ما لم يخطئ الحكم في تقديره.
لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق