الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 12 سبتمبر 2016

الطعن 1167 لسنة 35 ق جلسة 17 / 5 / 1966 مكتب فني 17 ج 2 هيئة عامة ق 1 ص 415

جلسة ١٧ من مايو سنة ١٩٦٦

برياسة السيد المستشار/ عادل يونس رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: توفيق أحمد الخشن نائب رئيس المحكمة، وحسين صفوت السركي، ومختار مصطفى رضوان، ومحمد محمد محفوظ، ومحمد عبد المنعم حمزاوي، وبطرس زغلول، ومحمود عزيز الدين سالم، وحسين سامح، ونصر الدين عزام، ومحمد أبو الفضل حفني.

-------------------

 (١)
الطعن رقم ١١٦٧ لسنة ٣٥ القضائية

(أ، ب) دعوى جنائية. "إقامتها". تهريب جمركي. جمارك.
(أ) ولاية مدير عام مصلحة الجمارك - فيما يتعلق بطلب اتخاذ الإجراءات في جريمة التهريب أو رفع الدعوى الجنائية - ولاية عامة باعتباره هو وحده الأصيل ومن عداه ممن ينيبهم وكلاء عنه في الطلب. عموم ولايته هذه تجيز له عموم تفويضه لغيره فيما له من حق الطلب، أما الطلب نفسه فالشأن فيه كالشأن في الإذن أو الشكوى يجب أن يكون في كل قضية على حدة.
(ب) صياغة المادة الرابعة من القانون ٦٢٣ لسنة ١٩٥٥ في شأن أحكام التهريب الجمركي على غرار المادة التاسعة من قانون الإجراءات الجنائية. توجيه الخطاب فيها من الشارع إلى النيابة العامة - باعتبارها السلطة صاحبة الولاية فيما يتعلق بالدعوى الجنائية - دون غيرها من جهات الاستدلال ومنها مصلحة الجمارك المكلفة أصلاً بتنفيذ قانون التهريب الجمركي والمنوط بها من بعد توجيه الطلب إلى النيابة العامة بالبدء في إجراءات الدعوى الجنائية. هذه الإجراءات لا تبدأ إلا بالتحقيق الذي تجريه النيابة العامة دون غيرها بوصفها سلطة تحقيق سواء بنفسها أو بمن تندبه لهذا الغرض من مأموري الضبط القضائي أو برفع الدعوى أمام جهات الحكم. أي إجراء آخر تقوم به جهات الاستدلال ولو في حالة التلبس بالجريمة لا تبدأ به الدعوى، ولا يرد عليه قيد الشارع في توقفه على الطلب.
(ج) قانون. "تفسيره".
إيراد الشارع مصطلحاً معيناً في نص ما لمعنى معين. وجوب صرفه إلى معناه في كل نص آخر يرد فيه.
(د) حكم. "تسبيبه. ما لا يعيب الحكم في نطاق التدليل".
خطأ الحكم في ذكر مادة العقاب على وجهها الصحيح. لا يقدح في سلامته. ما دام قد طبق القانون على واقعة الدعوى تطبيقاً صحيحاً.

-------------------

١ - المادة الرابعة من القانون رقم ٦٢٣ لسنة ١٩٥٥ بأحكام التهريب الجمركي والذي حل محله القانون رقم ٦٦ لسنة ١٩٦٣ - إذ نصت على أنه: "لا يجوز رفع الدعوى الجنائية أو اتخاذ إجراءات في جرائم التهريب إلا بناء على طلب كتابي من مدير مصلحة الجمارك أن من ينيبه كتابة في ذلك". فقد دلت على أن ولاية مدير عام مصلحة الجمارك فيما يتعلق بطلب اتخاذ الإجراء في الدعوى الجنائية أو رفعها ولاية عامة باعتباره هو وحده الأصيل ومن عداه ممن ينيبهم وكلاء عنه في الطلب، وأن عموم ولايته هذه تجيز له عموم تفويضه لغيره فيما له من حق الطلب، أما الطلب نفسه فالشأن فيه كالشأن في الإذن أو الشكوى يجب أن يكون في كل قضية على حدة، والقول بغير ذلك يؤدى إلى التسوية بين الإنابة والطلب وهو ممتنع، كما أنه لا وجه لقياس الإنابة المنصوص عليها في المادة الرابعة سالفة البيان على الندب في حكم قانون الإجراءات لاختلاف النصوص التي تحكم موضوع كل منهما مما يقتضى المغايرة بينهما في الحكم.
٢ - المادة الرابعة من القانون رقم ٦٢٣ لسنة ١٩٥٥ بأحكام التهريب الجمركي صيغت على غرار المادة التاسعة من قانون الإجراءات الجنائية التي نصت الفقرة الأولى منها على أنه: "لا يجوز رفع الدعوى الجنائية أو اتخاذ إجراءات فيها في الجرائم المنصوص عليها في المادة ١٨٤ من قانون العقوبات إلا بناء على طلب كتابي من الهيئة أو رئيس المصلحة المجني عليها". والبين من ذلك أن الخطاب فيها موجه من الشارع إلى النيابة العامة بوصفها السلطة صاحبة الولاية فيما يتعلق بالدعوى الجنائية باعتبار أن أحوال الطلب كغيرها من أحوال الشكوى والإذن إنما هي قيود على حريتها في تحريك الدعوى الجنائية استثناء من الأصل المقرر من أن حقها في هذا الشأن مطلق لا يرد عليه قيد إلا بنص خاص يؤخذ في تفسيره بالتضييق ولا ينصرف فيه الخطاب إلى غيرها من جهات الاستدلال ومنها مصلحة الجمارك المكلفة أصلاً من الشارع بتنفيذ قانون التهريب الجمركي والمنوط بها من بعد توجيه الطلب إلى النيابة العامة بالبدء في إجراءات الدعوى الجنائية، وهى لا تبدأ إلا بما تتخذه هذه من أعمال التحقيق في سبيل تسييرها تعقباً لمرتكبي الجرائم باستجماع الأدلة عليهم وملاحقتهم برفع الدعوى وطلب العقاب، ولا تنعقد الخصومة ولا تتحرك الدعوى الجنائية إلا بالتحقيق الذي تجريه النيابة العامة دون غيرها بوصفها سلطة تحقيق سواء بنفسها أو بمن تندبه لهذا الغرض من مأموري الضبط القضائي أو برفع الدعوى أمام جهات الحكم. ولا تعتبر الدعوى قد بدأت بأي إجراء آخر تقوم به سلطات الاستدلال ولو في حالة التلبس بالجريمة، إذ أنه من المقرر في صحيح القانون أن إجراءات الاستدلال أياً كان من يباشرها لا تعتبر من إجراءات الخصومة الجنائية بل هي من الإجراءات الأولية التي تسلس لها سابقة على تحريكها والتي لا يرد عليها قيد الشارع في توقفها على الطلب رجوعاً إلى حكم الأصل في الإطلاق وتحرياً للمقصود في خطاب الشارع بالاستثناء وتحديداً لمعنى الدعوى الجنائية على الوجه الصحيح دون ما يسبقها من الإجراءات الممهدة لنشوئها إذ لا يملك تلك الدعوى غير النيابة العامة وحدها. يزيد هذا المعنى وضوحاً أن الفقرة الثانية من المادة التاسعة من قانون الإجراءات الجنائية المعدلة بالقانون رقم ٤٢٦ لسنة ١٩٥٤ قد حددت الإجراءات في الدعوى الجنائية التي لا تتخذ إلا بالطلب بأنها إجراءات التحقيق التي تباشرها النيابة العامة وذلك بما نصت عليه من أنه: "وفي جميع الأحوال التي يشترط القانون فيها لرفع الدعوى الجنائية تقديم شكوى أو الحصول على إذن أو طلب من المجني عليه أو غيره لا يجوز اتخاذ إجراءات التحقيق إلا بعد تقديم هذه الشكوى أو الحصول على الإذن أو الطلب". وقد كشفت الأعمال التشريعية لهذا النص عن أن الإجراء المقصود هو إجراء التحقيق الذي تجريه النيابة العامة دون غيرها. وقانون الإجراءات هو القانون العام الذي يتعين الاحتكام إليه ما لم يوجد نص خاص يخالفه. ويؤكد هذا المعنى أن المادة ٣٩ من قانون الإجراءات المعدلة بالقانون رقم ٤٢٦ لسنة ١٩٥٩ إذ نصت على أنه: "فيما عدا الأحوال المنصوص عليها في المادة ٩ فقرة ثانية من هذا القانون فإنه إذا كانت الجريمة المتلبس بها مما يتوقف رفع الدعوى العمومية عنها على شكوى فلا يجوز القبض على المتهم إلا إذا صرح بالشكوى من يملك تقديمها، ويجوز في هذه الحالة أن تكون الشكوى لمن يكون حاضراً من رجال السلطة العامة". فقد دل ذلك على أنه في الأحوال الأخرى إذا كانت الجريمة المتلبس بها مما يتوقف رفع الدعوى العمومية فيها على إذن أو طلب فإنه يجوز لرجال الضبط القبض على المتهم واتخاذ كافة إجراءات التحقيق هذه قبل تقديم الإذن أو الطلب.
٣ - الأصل في قواعد التفسير أن الشارع إذا أورد مصطلحاً معيناً في نص ما لمعنى معين وجب صرفه إلى معناه في كل نص آخر يرد فيه. وذلك توحيداً للغة القانون ومنعاً للبس في فهمه، والانبهام في حكمه وتحرياً لوضوح خطابه إلى الكافة.
٤ - الخطأ في ذكر مادة العقاب على وجهها الصحيح لا يقدح في سلامة الحكم، ما دام قد طبق القانون على واقعة الدعوى تطبيقاً صحيحاً.

-------------------

الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن وآخرين بأنهم في يوم ٤ من مارس سنة ١٩٦١ بدائرة مركز عنيبه محافظة أسوان: قاموا بتهريب البضائع المبينة بالمحضر من أداء الرسوم الجمركية المقررة عليها. وطلبت عقابهم بالمواد ١ و٢ و٤ من القانون رقم ٦٢٣ لسنة ١٩٥٥. وقد ادعت مصلحة الجمارك بحق مدني قبل المتهمين وطلبت القضاء لها عليهم متضامنين بمبلغ ١٠١٤ ج و٧١٠ م على سبيل التعويض. ومحكمة عنيبه الجزئية قضت بتاريخ ٤ من ديسمبر سنة ١٩٦٣ عملاً بمواد الاتهام حضورياً بالنسبة إلى المتهم الثالث وحضورياً اعتبارياً بالنسبة إلى المتهمين الأول والرابع وغيابياً للمتهمين الثاني والخامس بتغريم كل منهم مائة جنيه ومصادرة البضائع المضبوطة مع إلزامهم متضامنين أن يدفعوا إلى مصلحة الجمارك تعويضاً قدره ١٠١٤ ج و٧١٠ م. فاستأنف هذا الحكم المحكوم عليهم جميعاً، ومحكمة أسوان الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت بتاريخ ٢٣ من مارس سنة ١٩٦٤ غيابياً للمتهم الأول وحضورياً للباقين (أولاً) بعدم قبول الاستئناف شكلاً بالنسبة للمتهم الثاني للتقرير به بعد الميعاد (ثانياً) بالنسبة إلى باقي المتهمين بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف. فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض. وبجلسة ١١ من يناير سنة ١٩٦٦ قررت الدائرة الجنائية بمحكمة النقض إحالة الدعوى إلى الهيئة العامة بالمحكمة لتقضي فيها عملاً بحكم الفقرة الثانية من المادة الرابعة من قانون السلطة القضائية الصادر بالقانون رقم ٤٣ لسنة ١٩٦٥.

-------------------

المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمة التهريب الجمركي قد أخطأ في تطبيق القانون وانطوى على بطلان في الإجراءات أثر فيه وعلى إخلال بحق الدفاع كما شابه فساد في الاستدلال، ذلك بأن الدعوى الجنائية رفعت على الطاعن بناء على طلب من مراقب جمرك أسوان استناداً إلى تفويض عام صادر إليه من مدير عام الجمارك بالمخالفة للمادة الرابعة من القانون رقم ٦٢٣ لسنة ١٩٥٥ التي لا تجيز رفع الدعوى الجنائية أو اتخاذ إجراء فيها إلا بناء على طلب كتابي من مدير مصلحة الجمارك أو ممن ينيبه كتابة مما لازمه أن تكون تلك الإنابة محددة ومخصصة بقضية بعينها بغير إطلاق إذ الإنابة كالندب تأخذ حكمه من حيث التحديد والتخصيص، وبذلك يكون التفويض العام الصادر من مدير عام مصلحة الجمارك إلى مراقب جمرك أسوان الذي صدر منه الطلب قد وقع باطلاً، وقد دفع الطاعن ببطلان المحضر المحرر بمعرفة قائد قسم سواحل أسوان لحصوله بغير طلب سابق من مدير عام الجمارك أو من ينيبه لهذا الغرض وكذلك إهدار ما جاء فيه من أقوال نسبت إلى الطاعن، إلا أن الحكم المطعون فيه أبطل هذا المحضر في شقه المتعلق بإجراءات الضبط والتفتيش وعول في الوقت نفسه على ما نسب إلى الطاعن من اعتراف محور فيه، وبذلك يكون قد جزأ البطلان نصاً آمراً من النظام العام كما جزأ على الطاعن اعترافه فأخذ منه بإقراره بضبط البضاعة وملكيته لها وأهدر ما قرره من أنه جلب البضاعة من السودان سنة ١٩٥٤ قبل صدور القانون رقم ٦٢٣ لسنة ١٩٥٥ وقت أن كان "السودان" جزءاً من "مصر" ورد على دفاعه بأن دليلاً ما لم يقم على صحته، مما يعتبر تكليفاً للمتهم بتقديم الدليل على براءته، وهو ما لا يجوز، وكان خليقاً بالمحكمة أن تعنى بتحقيق دفاع الطاعن في هذا الخصوص إذ أن ثبوت صحته ينبني عليه نفى الاتهام المسند إليه فضلاً عن انقضاء الدعوى الجنائية بمضي المدة. أما وهى لم تفعل فإن حكمها يكون معيباً بما يبطله ويوجب نقضه.
وحيث إنه يبين من الاطلاع على الأوراق أن محضر ضبط واقعة التهريب الجمركي المنسوب إلى الطاعن حرر في ٤ من مارس سنة ١٩٦١ بمعرفة المقدم عبد المجيد حامد خطاب قائد قسم السواحل بناء على تبليغ من قائد مخابرات السواحل، وقد سئل الطاعن في هذا المحضر في ١٧ من مارس سنة ١٩٦١ ولم يتخذ إجراءً آخر حتى صدر الطلب من مراقب جمرك أسوان إلى وكيل النيابة برفع الدعوى الجنائية في ٢٩ من يوليه سنة ١٩٦١ بناء على التفويض العام الصادر إليه بذلك من المدير العام لمصلحة الجمارك في ٣٠ من أغسطس سنة ١٩٦٠ استناداً إلى المادة الرابعة من القانون رقم ٦٢٣ سنة ١٩٥٥ فأصدرت النيابة العامة من بعد في ١٣ من نوفمبر سنة ١٩٦١ أمرها بتقديم القضية لجلسة ٧ من مارس سنة ١٩٦٢. لما كان ذلك، وكانت المادة الرابعة من القانون رقم ٦٢٣ لسنة ١٩٥٥ بأحكام التهريب الجمركي - المطبق على واقعة الدعوى والذي حل محله بعد ذلك القانون رقم ٦٦ لسنة ١٩٦٣ - إذ نصت على أنه: "لا يجوز رفع الدعوى الجنائية أو اتخاذ إجراءات في جرائم التهريب إلا بناء على طلب كتابي من مدير مصلحة الجمارك أو من ينيبه كتابة في ذلك" فقد دلت على أن ولاية مدير عام مصلحة الجمارك فيما يتعلق بطلب اتخاذ الإجراء في الدعوى الجنائية أو رفعها ولاية عامة باعتباره هو وحده الأصيل ومن عداه ممن ينيبهم وكلاء عنه في الطلب، وأن عموم ولايته هذه تجيز له عموم تفويضه لغيره فيما له من حق الطلب أما الطلب نفسه فالشأن فيه كالشأن في الإذن أو الشكوى يجب أن يكون في كل قضية على حدة، والقول بغير ذلك يؤدى إلى التسوية بين الإنابة والطلب وهو ممتنع. كما أنه لا وجه لقياس الإنابة المنصوص عليها في المادة الرابعة سالفة البيان على الندب في حكم قانون الإجراءات لاختلاف النصوص التي تحكم موضوع كل منهما مما يقتضي المغايرة بينهما في الحكم. وما دام القانون قد أطلق الحق لمدير عام الجمارك وكان لا قيد إلا من نص، فإن تقييد حقه في الإنابة وإيجاب تخصيصه بالقضية موضوع الطلب لا يكون له من وجه ولا يعتد به. لما كان ذلك، وكانت المادة الرابعة سالفة البيان قد صيغت على غرار المادة التاسعة من قانون الإجراءات الجنائية التي نصت الفقرة الأولى منها على أنه (لا يجوز رفع الدعوى الجنائية أو اتخاذ إجراءات فيها في الجرائم المنصوص عليها في المادة ١٨٤ من قانون العقوبات إلا بناء على طلب كتابي من الهيئة أو رئيس المصلحة المجني عليها)، والبين من ذلك أن الخطاب فيها موجه من الشارع إلى النيابة العامة بما هي السلطة صاحبة الولاية فيما يتعلق بالدعوى الجنائية، باعتبار أن أحوال الطلب كغيرها من أحوال الشكوى والإذن إنما هي قيود على حريتها في تحريك الدعوى الجنائية استثناء من الأصل المقرر من أن حقها في هذا الشأن مطلق لا يرد عليه قيد إلا بنص خاص يؤخذ في تفسيره بالتضييق ولا ينصرف فيه الخطاب إلى غير النيابة العامة من جهات الاستدلال ومنها مصلحة الجمارك المكلفة أصلاً من الشارع بتنفيذ قانون التهريب الجمركي. والمنوط بها من بعد توجيه الطلب إلى النيابة العامة بالبدء في إجراءات الدعوى الجنائية، وهى لا تبدأ إلا بما تتخذه هذه من أعمال التحقيق في سبيل تسييرها تعقباً لمرتكبي الجرائم باستجماع الأدلة عليهم وملاحقتهم برفع الدعوى وطلب العقاب، ولا تنعقد الخصومة ولا تتحرك الدعوى الجنائية إلا بالتحقيق الذي تجريه النيابة العامة دون غيرها بوصفها سلطة تحقيق سواء بنفسها أو بمن تندبه لهذا الغرض من مأموري الضبط القضائي أو برفع الدعوى أمام جهات الحكم. ولا تعتبر الدعوى قد بدأت بأي إجراء آخر تقوم به سلطات الاستدلال ولو في حالة التلبس بالجريمة، إذ أنه من المقرر في صحيح القانون أن إجراءات الاستدلال أياً كان من يباشرها لا تعتبر من إجراءات الخصومة الجنائية بل هي من الإجراءات الأولية التي تسلس لها - سابقة على تحريكها - والتي لا يرد عليها قيد الشارع في توقفها على الطلب رجوعاً إلى حكم الأصل في الإطلاق وتحرياً للمقصود في خطاب الشارع بالاستثناء وتحديداً لمعنى الدعوى الجنائية على الوجه الصحيح دون ما يسبقها من الإجراءات الممهدة لنشوئها إذ لا يملك تلك الدعوى غير النيابة العامة وحدها. يزيد هذا المعنى وضوحاً أن الفقرة الثانية من المادة التاسعة من قانون الإجراءات الجنائية المعدلة بالقانون رقم ٤٢٦ لسنة ١٩٥٤ قد حددت الإجراءات في الدعوى الجنائية التي لا تتخذ إلا بالطلب بأنها إجراءات التحقيق التي تباشرها النيابة العامة وذلك بما نصت عليه من أنه (وفي جميع الأحوال التي يشترط القانون فيها لرفع الدعوى الجنائية تقديم شكوى أو الحصول على إذن أو طلب من المجني عليه أو غيره لا يجوز اتخاذ إجراءات التحقيق إلا بعد تقديم هذه الشكوى أو الحصول على الإذن أو الطلب) وقد كشفت الأعمال التشريعية لهذا النص عن أن الإجراء المقصود هو إجراء التحقيق الذي تجريه النيابة العامة دون غيرها. وقانون الإجراءات هو القانون العام الذي يتعين الاحتكام إليه ما لم يوجد نص خاص يخالفه والأصل في قواعد التفسير أن الشارع إذا أورد مصطلحاً معيناً في نص ما لمعنى معين وجب صرفه إلى معناه في كل نص آخر يرد فيه، وذلك توحيدا للغة القانون ومنعاً للبس في فهمه، والانبهام في حكمه وتحرياً لوضوح خطابه إلى الكافة. ويؤكد هذا المعنى أن المادة ٣٩ من قانون الإجراءات الجنائية المعدلة بالقانون رقم ٤٢٦ لسنة ١٩٥٩ إذ نصت على أنه: "فيما عدا الأحوال المنصوص عليها في المادة "٩ فقرة ثانية" من هذا القانون فإنه إذا كانت الجريمة المتلبس بها مما يتوقف رفع الدعوى العمومية عنها على شكوى فلا يجوز القبض على المتهم إلا إذا صرح بالشكوى من يملك تقديمها، ويجوز في هذه الحالة أن تكون الشكوى لمن يكون حاضراً من رجال السلطة العامة". فقد دل ذلك على أنه في الأحوال الأخرى إذا كانت الجريمة المتلبس بها مما يتوقف رفع الدعوى العمومية فيها على إذن أو طلب فإنه يجوز لرجال الضبط القبض على المتهم واتخاذ كافة إجراءات التحقيق هذه قبل تقديم الإذن أو الطلب. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه وإن كان قد أبطل بغير سند من القانون - إجراءات الاستدلال التي اتخذها موظفو الجمارك، قد أخذ الطاعن باعترافه في محضر الاستدلال الذي حرر قبل الطلب ورتب على ذلك لازمه من إدانته فإنه لا يكون فيما أخذ به قد خالف القانون في شيء. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد أثبت على الطاعن التهمة المنسوبة إليه بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة التهريب التي دانه بها، وأورد على ثبوتها في حقه أدلة منتجة مستمدة من اعترافه، وضبطه في حالة تلبس وهو تهريب البضائع المضبوطة من السودان إلى مصر يوم الضبط الحاصل في ٣ مارس سنة ١٩٦١ - ومحاصرة المراكب التي تحمل البضائع المهربة وإطلاق النار لوقفها بمعرفة رجال السواحل والجريمة في إبانها مما يتضمن بذاته تحديد تاريخ وقوع الجريمة بيوم الضبط حال التهريب ويفيد كذلك الرد على دعوى جلب البضائع المهربة سنة ١٩٥٤ قبل صدور القانون رقم ٦٢٣ لسنة ١٩٥٥ وينفى احتمال انقضاء الدعوى الجنائية بمضي المدة، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الخصوص يكون على غير أساس. لما كان ذلك، وكانت المادة الثانية من القانون رقم ٦٢٣ لسنة ١٩٥٥ بأحكام التهريب الجمركي - الذي تمت الواقعة في ظله - قد نصت على أنه (يعاقب على التهريب أو الشروع فيه أو محاولة ذلك بالحبس وبغرامة لا تقل عن مائه جنيه ولا تجاوز ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين) وقد حل محله القانون رقم ٦٦ لسنة ١٩٦٣ بإصدار قانون الجمارك وصار نافذاً قبل صدور الحكم المطعون فيه ونص في المادة ١٢٢ منه على أنه (مع عدم الإخلال بأية عقوبة أشد يقضي بها قانون آخر يعاقب على التهريب أو على الشروع فيه بالحبس وبغرامة لا تقل عن عشرين جنيهاً ولا تجاوز ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين) وكانت الغرامة التي قضى بها الحكم المطعون فيه وهى مائة جنيه داخلة في الحدود المقررة للغرامة كما نص عليها القانون الجديد. وكان الخطأ في ذكر مادة العقاب على وجهها الصحيح لا يقدح في سلامة الحكم ما دام قد طبق القانون على واقعة الدعوى تطبيقاً صحيحاً، فإن ذلك لا يقتضى نقض الحكم المطعون فيه كما لا يقتضي تصحيحه إعمالاً للمادة ٥ من قانون العقوبات وذلك للعلة التي تقدمت.
وحيث إنه لما تقدم فإن الهيئة العامة ترى بالأغلبية المنصوص عليها في الفقرة الثانية من المادة الرابعة من قانون السلطة القضائية الصادر به القانون رقم ٤٣ لسنة ١٩٦٥ العدول عن الأحكام التي صدرت على خلاف هذا الرأي. ولما كانت الفقرة الأخيرة من هذه المادة قد خولت هذه الهيئة الفصل في الدعوى المحالة إليها، وكان الحكم المطعون فيه صحيحاً ومطابقاً للقانون فإنه يتعين رفض الطعن موضوعاً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق